18.09.08
أسئلة وأجوبة - الجزء الرابع | DR120004

إسلاميات دوت كوم أسئلة وأجوبة

Share |

مشاهدات 31609

تعليقات 4

+ ما معنى قول السيد المسيح: "ما جئت لألقي سلاملاً بل سيفاً، مع العلم أن رسالته تدعو إلى السلام" (متى 10:34)؟
صحيح أن رسالة السيد المسيح هي رسالة السلام، والمعلوم أن يسوع جاء ليبشر بالسلام وليس بالسيف. وعندما وُلد في مدينة بيت لحم ترنمت الأجناد السماوية قائلة: "المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام" (لوقا 2:14). ونبوة إشعياء عن المسيح تقول: "لأنه يولد لنا ولد ونعطى ابناً وتكون الرياسة على كتفه، ويدعى اسمه عجيباً مشيراً، إلهاً قديراً، أباً أبدياً، رئيس السلام" (إشعياء 9:6). والمسيح نفسه علّم قائلاً: "طوبى لصانعي السلام لأنهم أبناء الله يدعون" (متى 5:9). إذاً كيف يقول المسيح هنا إنه لم يأتي ليلقي سلاماً على الأرض، فهل من تناقض في قوله؟
ليس هناك تناقض في أقوال المسيح وإن بدا لنا ذلك أحياناً لعدم فهمنا مضمون بعض الآيات. فالمسيح جاء ليلقي السلام. ويعلّم السلام الحقيقي بواسطة رسالته وحياته وفدائه، وإن تعالميه كلها تدعو إلى السلام والمحبة والإخاء والتسامح. وهو لم يقصد أن يعلّم الناس بالسيف أو يرغمهم على اتباعه بالقوة. وأعتقد أنه من المناسب أن نقرأ الأعداد الثلاثة التي تلي الآية التي نحن بصددها، لأن ذلك يساعدنا على فهم قصد المسيح بطريقة أفضل. فهو يقول في إنجيل متى الأصحاح العاشر : "لا تظنوا أني جئت لألقي سلاماً على الأرض، ما جئت لألقي سلاماً بل سيفاً، فإني جئت لأفرّق الإنسان ضد أبيه، والابنة ضد أمها، والكنّة ضد حماتها". ثم يقول: "من أحب أباً أو أماً أكثر مني لا يستحقني" (متى 10:34-37).
بعد قراءة هذه الكلمات ربما يتوهّم البعض أن السيد المسيح داعية المحبة ورئيس السلام، أراد أن ينشر تعاليمه بالسيف. ولكن من يطالع الكتاب المقدس بإمعان يلاحظ، أن السيد المسيح لم يستعمل العنف مطلقاً، بل دعا إلى المحبة والإخاء والمسامحة والغفران ونبذ الأحقاد والعنف والقتال. كما أن أتباع يسوع والمؤمنين به اتّبعوا أسلوب معلمهم نفسه في كرازتهم. كما أن تعاليم الإنجيل المقدس بكاملها تحثّ على المحبة والمسالمة. وإن قول المسيح هذا لا يناقض قوله: "طوبى لصانعي السلام" (متى 5:9). فكلمة سيف الوارد ذكرها في قوله هي كلمة مجازية ذكرها المسيح في معرض حديثه عن الصعوبات التي تلاقيها رسالة الإنجيل في طريقها إلى قلوب الناس، وليس المقصود هنا بكلمة "سلاماً" السلام السياسي، ولا بكلمة "سيف" السيف الذي يُستعمل في الحرب. فإشارة المسيح إلى السلام والسيف تشير بلغة مجازية إلى المعاناة النفسية التي يمرّ بها الإنسان المؤمن والصعوبات التي تواجهه في حياة الإيمان. فالمؤمن الحقيقي هو صراع مستمر مع أجناد الشرّ. وسيف الروح الذي هو كلمة الله، هو السيف الفعّال للتغلّب على الشرور والأباطيل التي تواجهنا في حياتنا. وانتصارنا على الشر هو بواسطة المسيح المخلص الذي يقول للؤمنين: "في العالم سيكون لطم ضيق، ولكن ثقوا أنا قد غلبت العالم" (يوحنا 16:33). ويقول أيضاً: "ها أنا معكم كل الأيام إلى انقضاء الدهر" (متى 28:20).
والجدير بالذكر أن اليهود قديماً كانوا يعتقدون، أنه عندما يأتي يوم الرب ويجيء المسيا المنتظر أي المسيح، ستحصل انقسامات خطيرة في العائلات، ودليلنا على ذلك أقوال المعلمين اليهود المشهورة. بأنه "عندما يأتي ابن دااود (أي المسيح الذي تنبأ عنه أنبياء العهد القديم) ستقوم الإبنة على أمها والكنّة على حماتها. ويحتقر الإبن أباه، ويصير أعداء الإنسان أهل بيته". وأن قول المسيح ما جئت لألقي سلاماً بل سيفاً، هو تنويه إلى الحقيقية المرتقبة والامتحان الصعب الذي سيمرّ به كل من يؤمن به، أو كل من يتبعه، من اضطهادات وازدراء من الناس بصورة عامة، ومن أهل بيته بصورة خاصة. وهنا نجد المسيح المخلص يضع الناس أمام خيارين: إما أن يقبلوه ويؤمنوا به ويمتنعوا عن عمل الشر وشهوات الجسد، ويسيروا في حياة القداسة، وإما أن يرفضوه ولا يؤمنون به.
فالمسيح لم يأتي ليفرّق العائلات ويقيم أعضاءها بعضهم على بعض، ولم يأتي ليفرّق الابن عن أبيه ولا ليثير الكنة ضد حماتها. ولكن المقصود. هو أنه إذا آمن رجل بالمسيح ولم تؤمن زوجته، كان الإنجيل بمثابة سيف يفرّق الزوجة عن رجلها بسبب الاختلاف في العقيدة. بين المؤمن وغير المؤمن. وعندما قال يسوع هذه الكلمات بأنه جاء ليلقي سيفاً، وأن أعداء الإنسان أهل بيته، إنما كان يحاول أن يوضح لهم الصورة التي كانت في أذهانهم، بأنه عندما يأتي يوم الرب ستحدث انقسامات خطيرة بين أفراد الأسرة الواحدة كما ورد آنفاً، وكأن الرب يقول لجماعة اليهود، إن يوم الرب الذي تنتظرونه قد جاء.
فتعاليم المسيح تدعو الإنسان لأن يختار بين نظام الحياة القديمة التي كان يحياها في الخطية قبل الإيمان، والتي تربطه فيها صلات وعلاقات متنوعة مع أهل بيته وأصدقائه وكافة الناس على اختلاف أنواعهم، وبين متطلبات الحياة الجديدة التي يستلزمها إيمانه بالإنجيل والسير حسب تعالمه في القداسة والحق والتضحية، فقد يتطلب الإنجيل من الفرد أن يضحي بكل عزيز لديه في سبيل الرسالة المسيحية، لأن تعاليم المسيح تتطلب الخضوع الكامل له. فهو يقول: "من أحب أباً أو أماً أكثر مني فلا يستحقني. من لا يأخذ صليبه ويتبعني فلا يستحقي" (متى 10:37-38).
فالإيمان بالمسيح والولاء المطلق، يكون بمثابة سيف في حياة الإنسان المؤمن يجعله في صراع مستمر مع أجناد الشر. فالمسيح جاء ليشهد للحق ويثبّت دعائم المحبة والسلام. فكلامه عن السيف أمر مجازي وهو كناية عن الحرب الروحية التي لابد من أن تستمر وتشتد في وجه الشيطان وكل أعماله. إلى أن يتغلب الخير على الشر وتتغلب إرادة الله على إرادة الشيطان، حينئذ يسود السلام ويعمّ الفرح في النفوس والطمأنينة في القلوب. وهذا ما قصده المسيح عندما قال: "لا تظنوا أني جئت لألقي سلاماً على الأرض، ما جئت لألقي سلاماً بل سيفاً".

+ هل صُلب السيد المسيح فعلاً، ولماذا؟ وهل صُلب المسيح نفسه، أم أن شخصاً آخر صُلب بالنيابة عنه؟
- إن هذا السؤال مهم جداً، لأن حول صلب المسيح وقيامته ترتكز تعاليم الديانة المسيحة. والكتاب المقدس الذي يعتبر مصدر الإيمان المسيحي، يؤكد لنا حقيقة صلب المسيح، كما يؤكد أن المسيح نفسه صُلب، ولم يُصلَب عنه أي إنسان آخر. وبحسب التعاليم المسيحية، فإن المسيح لم يُصلب عبثاً، لأن لصلبه مغزىً روحياً عميقاً، وهو إتمام عمل الفداء الذي أتى من أجله إلى العالم، وإجراء المصالحة بين الله القدوس والإنسان الخاطيء، كي يتبرر الخطاة بواسطة صلبه وموته نيابة عنهم.
وعندما نتكلم عن صلب المسيح وموته فداء عن الجنس البشري لابد من الرجوع إلى جذور الموضوع ليتسنى لنا فهم الحقيقة الأساسية التي يرتكز عليها صلب المسيح. فما لا شك فيه بالنسبة للعقيدة المسيحية أن المسيح صُلب. أما لماذا صلب، فهذا ما سنحاول إيضاحه. إذ أن موت المسيح على الصليب كان بمثابة كفارة، أو بمثابة ذبيحة لمغفرة الخطايا. فالمسيح البار مات على الصليب بدلاً من الناس الخطاة حتى يتبرروا هم بموته، أي حتى يتحرروا أو يتخلصوا من الخطية. فالخطية دخلت العالم بواسطة آدم الأول، والخلاص من الخطية هو بواسطة آدم الثاني، المسيح. كما جاء في الكتاب المقدس "لأنه كما في آدم يموت الجميع، هكذا في المسيح سيُحيا الجميع" (1كورنثوس 15:22).
وعندما نرجع إلى سفر التكوين نقرأ قصة الخليقة ومن ضمنها قصة تعدّي أبوينا الأولين آدم وحواء شريعة الله. فنلاحظ أن آدم وحواء أخطآ منذ بداية الخليقة، وبعصيانهما ومخالفتهما شرائع الله دخلت الخطية العالم. ومفاد ذلك كما ورد في سفر التكوين أنه بعدما خلق الله آدم وحواء ووضعهما في جنة عدن، أوصاهما أن يأكلا من كل شجر الجنة ما عدا شجرة معرفة الخير والشر. ولكن آدم وحواء لم يطيعا، بل عصيا أوامر الله وأكلا. وبسبب ذلك، غضب الله عليهما وعلى الحية التي أغرت آدم وحواء، وقال للحية: "ملعونة أنت من جميع البهائم ومن جمعي وحوش البرية، على بطنك تسعين وتراباً تأ:لين كل أيام حياتك. وأضع عدواة بينك وبين المرأة، وبين نسلك ونسلها، هو يسحق رأسك وأنت تسحقين عقبه" (تكوين 3:14-15). وغضب الله على آدم وحواء وطردهما من الجنة. من هنا بدأت خطية الإنسان، فأصبح الناس يتوارثون الخطية التي ورثوها عن أبويهم آدم وحواء. وهنا كان الوعد من الله بأنه سيرسل المسيح من نسل المرأة أي من عذراء وليس من نسل رجل، ليسحق رأس الحية، أي الشيطان. ويشير الكتاب المقدس بهذا الصدد إلى أن كل الناس خطاة فيقول: "الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله" (رومية 3:23). ونقرأ أيضاً في رسالة رومية: "من أجل ذلك كأنهما بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم وبالخطية الموت، وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس، إذ أخطأ الجميع" (رومية 5:12). وبما أن الجميع خطاة لا يستطيعون تتميم وصايا الله وناموسه، فقد حاول البعض منهم في العهد القديم أي قبل مجيء المسيح التكفير عن خطاياهم بطرق مختلفة.
مثلاً: قدم سيدنا نوح ذبائح لله، فيقول الكتاب المقدس: "وبنى نوح مذبحاً للرب، وأخذ من كل البهائم الطاهرة ومن كل الطيور الطاهرة وأصعد محرقات على المذبح" (تكوين 8:20). ونلاحظ أن النبي موسى أيضاً عليه السلام قال لفرعون ملك مصر قديماً، عندما لم يرد أن يعطيه ماشية بني قومه: "أنت تعطي أيضاً في أيدينا ذبائح ومحرقات لنصنعها للرب إلهنا فتذهب مواشينا أيضاً معنا" (خروج 10:25-26). ونقرأ في سفر اللاويين ما يلي: "إذا أخطأ رئيس، وعمل بسهو واحدة من جميع مناهي الرب إلهه، التي لا ينبغي علمها وأثم، ثم أعلم بخطيته التي أخطأ بها يأتي بقربانه تيساً من المعز ذكراً صحيحاً، ويضع يده على رأس التيس ويذبحه في الموضع الذي يذبح فيه المحرقة أمام الرب، أنه ذبيحة خطية" (لاويين 4:22-24). كما أن الله عندما أراد أن يختبر إيمان إبراهيم الخليل عليه السلام، طلب منه أن يقدم ابنه ذبيحة له. وعندما همّ إبراهيم يذبح لنا افتداه الله، فأرسل كبشاً قدمه إبراهيم ذبيحة لله بدل ابنه. والجدير بالذكر أن الذبائح والقرابين ترجع إلى عهد بعيد جداً، حينما قدم قايين هابيل ولدا آدم وحواء ذبائحهما لله (تكوين 8:20). كما أن المؤمنين في العهد القديم اعتادوا أن يقدموا لله ذبائح، كل بيت يقدم حملاً أي خروفاً بلا عيب.
علاقة هذه الذبائح بموت المسيح
إن تلك الذبائح والحملان كانت تقدم للتكفير عن الخطايا، ولكنها في الوقت نفسه كانت تشير أو بالأحرى ترمز إلى المسيح، الذي سفك دمه بدلاً عن الخطاة. ويقول الكتاب المقدس: "بدون سفك دم لا تحصل مغفرة" (عبرانيين 9:22). فالمسيح الذي يُشار إليه بأنه "حمل الله" الذي تنبأ عنه أنبياء العهد القديم بأنه مسيح الله، وهو الذي وعد الله بإرساله، ليضع حداً لعهد الذبائح والمحرقات، ويفتدي العالم بذبيحة واحدة هي المسيح نفسه. ويشير الكتاب المقدس إلى المسيح، بقوله: "هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم" (يوحنا 1:29). ويقول أيضاً، إن الرب أعدّ المسيح ليكون ذبيحة تبطل ذبائح العهد القديم فنقرأ ما يلي: "اسكت قدام السيد الرب لأن يوم الرب قريب، لأن الرب قد أعدّ ذبيحة قدس مدعويه" (صفنيا 1:7). وقد تمت هذه الذبيحة بموت المسيح على الصليب حسب قول الكتاب المقدس "فبهذه المشيئة نحن مقدسون بتقديم جسد يسوع المسيح مرة واحدة" (عبرانيين 10:10).
تأكيدات من الكتاب المقدس تشير إلى أن موت المسيح بقصد خلاص الجنس البشري من الخطية
"الذي حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة (أي على الصليب)، لكي نموت عن الخطايا فنحيا للبر، الذي بجلدته شفينا" (1بطرس 2:24). وأيضاً قول الله تعالى: "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذلك ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يوحنا 3:16). وهكذا علينا أن ندرك أنه في عملية صلب المسيح، تمت المصالحة بين الله القدوس والإنسان الخاطيء. والدليل على ذلك ما ورد في رسالة بولس: "كان الله في الصليب مصالحاً الكل لنفسه.. عاملاً للصلح بدم صليبه بواسطته" (كولوسي 1:20). ولهذا السبب كان من الضروري أن يموت المسيح على الصليب من أجل الخطاة، كما أن ذلك كان بترتيب من الله. وقد أطاع المسيح ذلك الترتيب، فنقرأ عن المسيح ما يلي: "فليكن فيكمن هذا الفكر الذي في المسيح يسوع أيضاً، الذي إذ كان في صورة الله، لم يحسب خلسة أن يكون معادلاً لله، لكنه أخلى نفسه آخذاً صورة عبد، صائراً في شبه الناس. وإذ وُجد في الهيئة كإنسان، وضع نفسه وأطاع حتى الموت موت الصليب. لذلك رفعه الله أيضاً، وأعطاه اسماً فوق كل اسم، لكي تجثو باسم يسوع كل ركبة ممن في السماء ومن على الأرض، ومن تحت الأرض، ويعترف كل لسان أن يسوع المسيح هو رب لمجد الله الآب" (فيلبي 2:5-11).

هل هناك علاقة بين تعاليم الدين المسيحي وتتميم شعائر العهد القديم بالنسبة لصلب المسيح؟
يُعتبر موت المسيح على الصليب نقطة أساسية بالنسبة للعقيدة المسيحية، لأنه بواسطة موته أزال الحواجز بين الله القدوس والإنسان الخاطيء. لقد كان موته كفارة عن خطايا البشر، وهو يتمم شعائر العهد القديم ويضع حداً لها، ولفهم هذا الموضوع بطريقة أوضح، لابد من الرجوع إلى الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد. لقد كانت نبوات وشعائر العهد القديم ترمز بشكل أو بآخر إلى المسيح وعمله الفدائي، وقد تمت هذه النبوات بمجيئه ومن ثم بفدائه. فعندما جاء يسوع أعلن أنه لم يأتي لينقض بل ليكمل (متى 5:17). وقد أكمل المسيح بمجيئه كل ما هو ناقص، ولا سيما عمل الفداء العظيم الذي اكتمل بموته على الصليب.
فموضع الكفارة من أساسه يدور حول موضوع الخطية والتبرر منها، أي الخلاص من الطية. وموضع الخطية هذا قديم قِدَم الإنسان، إذ أن الخطية دخلت إلى العالم بواسطة آدم الأول الذي عصى أمر الله. والعصيان هو عدم إطاعة أوامر الله أو عدم السلوك حسب شرائعه، وبما أن الله قدوس، فهو يكره الخطية ويعاقب عليها. ومع أنه رحوم محب، إلا أنه إله عادل أيضاً، وعدله يقضي بأن "النفس التي تخطيء هي تموت" (حزقيال 18:20). "لأن أجرة الخطية هي موت" (رومية 6:23).
وللتكفير عن الخطايا، كانت شعائر العهد القديم ترتكز على تقديم الذبائح والمحرقات لأنه "بدون سفك دم لا تحصل مغفرة" (عبرانيين 9:22). وعلى هذا الأساس كانت تقدم القرابين بعد سفك دمها كعلامة للتوبة، وللحصول على المغفرة.
وبالرجوع إلى العهد القديم من الكتاب المقدس، نلاحظ في سفري الشريعة أو الناموس المعروفين بسفرّي "اللاويين" و"العدد". بأن كل من يعمل واحدة من الأمور التي ينهي عنها الله يخطيء، وعليه أن يتحمل نتيجة خطيته، وقد ورد في الكتاب المقدس ما يلي: "وإذا أخطأ أحد وعمل واحدة من جميع مناهي الرب التي لا ينبغي عملها، ولم يعلم كان مذنباً وحمل ذنبه" (لاويين 5:17). أي أنه يتحمل مسئولية خطيته. فكان الناس في العهد القديم يحاولون التكفير عن خطاياهم بواسطة الذبائح والمحرقات، ومنها الحملان والتيوس والثيران وغيرها. هذا بالنسبة للعهد القديم أي ما قبل المسيح، ولكن اللاهوت المسيحي يشير إلى أن هذه الذبائح كلها كانت مجرد رموز ترمز إلى المسيح "لأنه لا يمكن أن دم ثيران وتيوس يرفع خطايا" (عبرانيين 10:4).
فالسيد المسيح أتم ناموس الذبائح وأبطل عهدها بتقديم نفسه كذبيحة، أو بسفك دمه الكريم على الصليب مرة واحدة من أجل الخطاة (عبرانيين 7:27). ويقول الكتاب المقدس بهذا الصدد إن المسيح قام بعمل المصالحة بين الله القدوس والإنسان الخاطيء، "عاملاً الصلح بدم صليبه" (كولوسي 1:20). وقوله أيضاً عن المسيح: "الذي فيه لنا الفداء بدمه غفران الخطايا" (أفسس 1:7). "إنكم افتديتم لا بأشياء تفنى، بفضة أو ذهب، بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب، هو دم المسيح" (1بطرس 1:18-19). وقوله أيضاً عن المسيح: "هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم" (يوحنا 1:29). وأيضاً "الذي حمل هو نفسه خطايانا في جسده على الخشبة" (1بطرس 2:24). فبموت المسيح على الصليب أكمل ناموس الذبائح بتقديم نفسه كذبيحة. ولهذا لم يعد من الضروري أن يقدم الناس الذبائح للخلاص من الخطية، لأن المسيح "بذل نفسه فدية لأجل الجميع" (1تيموثاوس 2:6). وهكذا نرى، أنه بواسطة موت المسيح على الصليب انتهى عهد الذبائح، لأنه كان الذبيحة الأخيرة المرتبة من الله. فالمسيح مات لأجل الخطاة. وقام فيما بعد ليمنحهم الحياة، فكل من يؤمن به يخلص ويحصل على الحياة الأبدية.

+ هل صلب المسيح نفسه، أم أن شخصاً آخر يشبهه صُلب بالنيابة عنه؟
كان المسيح هو الشخص الحقيقي الذي علّق على الصليب. ولا يعقل أن يكون الله اختار شخصاً آخر ليموت بدل المسيح لأن في ذلك طعناً في محبة الله وعدالته ومعرفته، كما أن ذلك طعن في شهادة المسيحيين أتباع يسوع الذين عرفوه شخصياً، وآمنوا به وشاهدوه بأم أعينهم معلقاً على الصليب. وأنزلوه بأيديهم على الصليب. ولو أنكرنا هذا، لكان ذلك كعناً بالتواتر، والطعن بالتواتر يوجب الطعن بنبوة كافة الأنبياء وهذا لا يجوز. كما أن شهادات رؤساء اليهود وهم أعداء المسيح، كلها تشير إلى صلب المسيح. وبهذا الصدد نؤكد أن شهادات رؤساء اليهود وهو أعداء المسيح، كلها تشير إلى صلب المسيح، وبهذا الصدد نؤكد مرة ثانية بأن إيمان المسيحيين يرتكز على موت المسيح الفدائي، وغلبته على الخطية والشر ثم قيامته المجيدة من بين الأموات في اليوم الثالث.

+ هل الجبل الذي صُلب عليه السيد المسيح والذي يُعرف بجبل الجلجثة، هو المكان نفسه الذي أوجد الله عليه الإنسان الأول وآدم؟
- للإجابة عن القسم الأول من السؤال، نُذكّر بقصة الخليقة الواردة في سفر التكوين من الكتاب المقدس، التي جاء فيها ما يلي: "وأخذ الرب الإله آدم ووضعه في جنة عدن ليعملها ويحفظها" (تكوين 2:5). وكما يعتقد بعض المؤرخين وعلماء الكتاب المقدس أن جنة عدن كانت تقع في بلاد ما بين النهرين، أي في العراق، وهذا طبعاً ترجيح يرتكز على ما جاء من وصف لموقع جنة عدن في الكتاب المقدس. فبناء على ذلك نستنتج أن آدم لم يُخلق على جبل الجمجمة أو الجلجثة الواقع في أورشليم، بل في جنة عدن. ولكن هناك تقليد يقول إن آدم دفن على جبل الجمجمة أو جبل الجلجثة، ولذلك سمى ذلك الجبل بهذا الإسم، وهو المكان نفسه الذي صُلب عليه السيد المسيح، ولكن هذا مجرد تقليد لا يؤيده الكتاب المقدس. ونلاحظ في بعض الأحيان رسوماً أبدعتها ريش الرسامين تصوّر المسيح معلقاً على الصليب. وعند قاعدة الصليب صورة جمجمة. ويُقال إن ذلك يشير إلى أن تلك الجمجمة تمثل جمجمة الإنسان الأول آدم، ويشير الرسم التقليدي بكامله إلى أن المكان الذي مات فيه الإنسان الأول آدم، الذي دخلت الخطية بواسطته إلى العالم، هو المكان نفسه الذي مات فيه آدم الثاني، أي المسيح البارّ، ليمحو إثم الخطاة بموته على خشبة الصليب.

هل المكان الذي صُلب فيه المسيح هو نفسه الذي كان إبراهيم مزمعاً أن يقدّم عليه ابنه اسحق كذبيحة الله؟
- كلا، إن المكان الذي أراد إبراهيم أن يقدم عليه ابنه اسحق كذبيحة لله يُعرف بجبل "المُريّا". ويقول الكتاب المقدس بهذا الصدد ما يلي: "وحدث بعد هذه الأمور أن الله امتحن إبراهيم" فقال له: "يا إبراهيم، فقال هأنذا. فقال، خذ ابنك وحيدك الذي تحبه اسحق واذهب إلى أرض "المريا" وأصعده هناك محرقة على أحد الجبال الذي أقول لك" (تكوين 22:2). وتشير التقاليد إلى أن المكان الذي كان إبراهيم مزمعاً أن يقدم عليه ابنه اسحق كذبيحة لله، هو المكان نفسه الذي كان قائماً عليه هيكل سليمان قديماً في مدينة أورشليم أي القدس. وفي المكان نفسه حالياً مسجد قبة الصخرة في الحرم الشريف في مدينة القدس، والمسجد الأقصى، وإن الصخرة ما زالت موجودة حتى الآن، والمكان مقدس من الإخوة المسلمين. وهكذا فإن الجبل الذي صُلب عليه المسيح هو ليس الجبل نفسه الذي أراد فيه إبراهيم أن يقدم ابنه اسحق عليه كذبيحة لله، ولكن المكانين في مدينة القدس التي كانت تُعرف باسم أورشليم.

+ طالما أن المسيح لم يأتِ لينقض الناموس أي شرائع العهد القديم والوصايا العشر، فلماذا لا يطلب من المسيحيين العمل بموجب الناموس، مع العلم أن السيد المسيح لم يقل لأتباعه المؤمنين به أن يتركوا شريعة موسى أو شرائع العهد القديم؟
إن السيد المسيح لم يأت لينقض الناموس، بل ليكمله. وهو نفسه صرّح بقوله: "لا تظنوا أني جئت لأنقض الناموس .. ما جئت لأنقض بل لأكمل" (متى 5:17). فالمسيح لم يلزم المسيحيين باتباع ناموس العهد القديم المتمثل بالشرائع والقوانين التي كان الناس يتقيدون بها خوفاً من الله، أو خوفاً من العقاب الذي كان يفرض على كل مخالفة للناموس، بل أراد المسيح من المسيحيين أن يسيروا بحسب الناموس الكامل الذي أكمله بمجيئه. والذي يتمثل بالمحبة، محبة الله للإنسان، ومحبة الإنسان لله ولأخيه الإنسان.
والمسيح أكمل الناموس بتتميمه لعلم الفداء العظيم، ووضع حداً للذبائح بذبيحة نفسه أي موته على الصليب بدلاً عن الخطاة. أما بالنسبة للوصايا العشر، فقد أعطاها السيد المسيح معنى جديداً وتفسيراً جديداً، وهو أن كل الوصايا تشير إلى المحبة. فإذا أحبّ الإنسان الله، فإنه لا يخالف إرادته. وإذا أحب أخاه الإنسان، فإنه لا يعمل على أذيّته أو الاعتداء على ممتلكاته أو شرفه. وإذا أحب الإنسان نفسه فإنه لا يدنّسها بالأعمال الرديئة والشهوات البطالة. وقد شدّد المسيح بأن الله يريد من الإنسان التمسك بمبدأ المحبة لا بالقوانين والنواميس والشرائع البالية، أو الطقوس القاسية، بمعنى أنه لا ينبغي على الإنسان أن يعمل بموجب الوصايا خوفاً من عقاب الله، وإنما استجابة لداعي المحبة والعيش بموجب هذه المحبة في الحياة اليومية.
أما بالنسبة للوصايا الشعر فقد أعطاها المسيح أبعاداً جديدة. فإنه شرح مثلاً الوصايا بالنسبة لمبدأ المحبة. فهو لا يريد من الناس عدم كسر الوصايا لأنها مجرد قوانين، كما أنه لا يكتفي بعدم عمل أو ارتكاب الخطية، بل يريدنا أن نذهب إلى أبعد من ذلك بأن لا نفكر في الخطية بقلوبنا. وبمعنى آخر، لا يكفي أن تكون أعمالنا حسنة، بل أن تكون أفكارنا مقدسة وضمائرنا صالحة ونقية. فالمسيح أشار إلى بعض الوصايا بقوله: "سمعتم إنه قيل للقدماء لا تقتل، ومن يقتل يكون مستوجب الحكم. وأما أنا فأقول لكم، إن من يغضب على أخيه باطلاً يكون مستوجب الحكم" (متى 5:21-22). أي أنه ليس القتل وحده خطية بل مجرد الغضب باطلاً هو خطية. وبهذا الصدد أشار إلى أن تقديم الذبائح وحده لا يكفر عن الخطايا، بل المصالحة مع الآخرين، فقال: "فإن قدمت قربانك على المذبح وهنالك تذكرت أن لأخيك شيئاً عليك، فاترك هناك قربانك قدام المذبح، واذهب أولاً اصطلح مع أخيك وحينئذ تعال وقدم قربانك" (متى 5:23-24). وبهذا ندرك أن صفاء النية ونقاء القلب تجاه الغير والمصالحة هي الأساس وليس تقديم الذبائح. أما بالنسبة للوصية التي تتعلق بالزنى، فقد قال يسوع: "سمعتم إنه قيل للقدماء لا تزن، وأما أنا فأقول لكم، إن كل من ينظر إلى امرأة ليشتهيها فقد زنى بها في قلبه" (متى 5:27-28). وبهذا شدد المسيح بأنه ليس القيام بفعل الزنى وحده خطية. بل مجرد الاشتهاء البطال هو خطية. سواء أقام الإسنان بفعل الزنى أم لم يقم. لأن كل عمل يعمله الإنسان، يخطط له بفكره أولاً قبل أن يقدم عليه. أما بالنسبة للمحبة، فإن يسوع لا يكتفي بمحبتنا للذين يحبوننا، لأن ذلك أمر بديهي، وكل إنسان يحب من يحبه. ولكن المهم أن يدرّب الإنسان نفسه على محبة من لا يحبه حتى عدوّه (متى 5:43-46). وبهذا تظهر قداسة الأفكار المسيحة وأفكار الناموس الكامل الذي أكمله المسيح. والذي ينبغي على المؤمن بالمسيح أن يسير بموجبه. فالسيد المسيح أضاف إلى الناموس تعاليم المحبة والتسامح والإخاء والقداسة الحقّة. ولو حاولنا مطالعة الإنجيل المقدس بهذا الصدد لاتّضح الأمر بجلاء.

+ هل مازال المسيحيون يحترمون الوصايا الشعر ويعملون بموجبها؟
- لا شك أن المسيحيين ما زالوا يحترمون الوصايا العشر لأنها وصايا الله، وأن التعليم المسيحي ينظر إلى الوصايا العشر بأنها مرآة عاكسة يرى الإنسان أخطاءه بواسطتها عندما ينظر إليها. وعندما يرى الإنسان خطأه، عليه أن ينظر إلى نعمة الله ومحبته وغفرانه الذي أعدّه الله في المسيح يسوع وعلى من يؤمن بالمسيح يسوع أن يحاول السير في خطاه واتباع الناموس الكامل. وأن الفرق بين إيمان المسيحيين، وإيمان المؤمنين في العهد القديم، هو أن مؤمني العهد القديم كانوا يسيرون بموجب الشريعة أو الناموس، ويحاولون تطبيقها حرفياً، كما أنهم كانوا يعتمدون على الذبائح والمحرقات للتكفير عن خطاياهم. فكانت هناك شرائع وقوانين دينية وأدبية واجتماعية وشعائر وتقاليد يفرض على المؤمنين التقيّد بها لإرضاء الله. أما المؤمنون في العهد الجديد فإنهم لا يتقيدون بتلك القوانين والشعائر والطقوس، بل عليهم أن يعملوا بروح المحبة التي علّمهم إياها يسوع ويؤمنوا بالمسيح المخلص ويسيروا في خطاه. فحفظ الوصايا والتقاليد والشعائر بحسب تعاليم العهد القديم لا تكفي لخلاص الإنسان، لأن الكتاب المقدس يشير إلى أن الناموس يتطلب الكمال، والمعروف أنه ليس من إنسان كامل يستطيع أن يتقيد كلياً بالعمل بالوثايا كلها دون أن يكسر واحدة منها. وإذا كسر الإنسان آية وصية فكأنه كسرها كلها. ويقول الكتاب المقدس بهذا الصدد: "لأن من حفظ كل الناموس، وإنما عثر في واحدة فقد صار مجرماً في الكل. لأن الذي قال لا تزن قال أيضاً لا تقتل. فإن لم تزن ولكن قتلت فقد صرت متعدياً للناموس" (يعقوب 2:10-11). وبما أنه لا يستطيع أحد أن يعمل بكل الوصايا دون أن يخطيء بواحدة منها، كانت الذبائح تقدم في العهد القديم. ولكن المسيح بإكماله الناموس، بذبيحة نفسه أبطل عهد الذبائح، ولم يعد من الضروري أن يقدم الناس الذبائح لأجل خلاص نفوسهم، لأن يسوع بذل نفسه فدية لأجل الجميع (تيموثاوس 2:6).
وبما أن السيد المسيح أبطل عهد الذبائح، لهذا لا يقدم المسيحيون الذبائح التي كان الناس يقدمونها في العهد القديم، فالرب يسوع قدّم نفسه مرة واحدة كذبيحة مرضية. وإنه بذلك لم يقدم نفسه كحمل للذبح عن خطايا المسيحين فقط بل عن خطايا كل العالم. ويقول الكتاب المقدس بهذا الصدد: "هوذا حمل الله الذي يرفع خطية العالم" (يوحنا 1:29). وهو الذي أبطل الخطية بذبيحة نفسه (عبرانيين 9:26). وكذلك أيضاً أبطل عهد الذبائح إلى الأبد (عبرانيين 10:14). ولهذا فإن الخلاص من الهطية في العهد الجديد ليس بتقديم الذبائح والمحرقات، وإنما هو هبة من الله كما ورد في الكتاب المقدس، "لأنكم بالنعمة مخلصون بالإيمان وذلك ليس منكم. هو عطية الله" (أفسس 2:8).
هذه هي الفروقات بين إيمان المسيحيين. وإيمان المؤمنين في العهد لقديم. فالمسيحيون يؤمنون أن الله المحب يبرر الإنسان بالنعمة التي يهبها مجاناً لكل من يؤمن. والمسيح، الإله المتجسد هو عطية السماء لسكان الأرض، وكان مجيئه إلى العالم تعبيراً عن محبة الله القدوس نحو الإنسان الخاطيء، ورغبة منه في خلاصه، كما ورد في الآية الكريمة القائلة: "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية" (يوحنا 3:16).

+ يحدثنا الكتاب المقدس كثيراً عن عدل الله ومعاقبته للأشرار، ألا تعتقدون أن ذلك يميل إلى تخويف الناس م الله وابتعادهم عنه؟
- إذا كان الكتاب المقدس لا يحدثنا إلا عن موضوع واحد وهو عدل الله ومعاقبته للأشرار، فربما نوافق بأن ذلك قد يميل إلى تخويفنا من الله وابتعادنا عنه، وهذا أمر بديهي، لأن كل الناس خطاة حسب قول الكتاب المقدس. وعلى كل إنسان خاطيء تعدى وصايا الله أن يخاف من عدل الله وعقابه. فأين نجد إنساناً خاطئاً يذهب طوعاً إلى القاضي الذي يطلب منه أن يقدم حساباً عن أعماله السيئة لينال قصاصاً على مثل هذه الأعمال؟
لا شك أنه علينا أن نخاف الله وعقابه، لأننا كسرنا وصاياه، وتعدينا شريعته. ويقول الكتاب المقدس بهذا الصدد: "الجميع أخطأوا وأعوزهم مجد الله" (رومية 3:23). ولكن علينا ألا ننظر إلى الله كإله عادل يعاقب الأشرار فحسب، بل أن ننظر إليه بأنه إله محب أيضاً.
فالله قادر على كل شيء، مبدع الكون بما فيه، والعالم بكل شيء، هو إله عادل، ولكنه في الوقت نفسه رحوم وشفوق. ويصفه الكتاب المقدس بأنه إله محب وأنه هو نفسه المحبة، فيقول: : "الله محبة ومن يثبت في المحبة يثبت في الله والله فيه" (1يوحنا 4:16). فالله هو المحبة الكاملة والمتجسدة. ويبلغ الكتاب المقدس أوجَهُ عندما يخبرنا بأن الله الإله العادل الذي يعاقب الخطاة، هو نفسه الإله المحب الذي يريد أن يخلص الخطاة من العقاب الصارم. نتيجة خطاياهم. فالإله العادل أظهر محبته للخطاة غير المستحقين، فأرسل المسيح ابنه الوحيد ليكون وسيطاً بين الله القدوس والإنسان الخاطيء. فجاء المسيح ونال القصاص نيابة عنه بموته على خشبة الصليب. فبدلاً من أن يعاقب الخطاة نتيجة خطاياهم، فقد جاء السيد المسيح ليكون وسيطاً وشفيعاً كما يقول الإنجيل المقدس: "لأنه هكذا أحب الله العالم حتى بذلك ابنه الوحيد لكي لا يهلك كل من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبدية" (يوحنا 3:16). وهكذا بدلاً من أن يقع غضب الله علينا نحن البشر الخطاة، فإنه وقع على المسيح. فالمسيح مات لأجل خلاصنا، وقام من الموت لأجل تبريرنا، وكل من يؤمن به يحيا معه إلى الأبد. وعندما نؤمن بالمسيح شفيعنا ووسيطنا، فعندئذٍ نتمتع بمحبة الله، ونشعر بأن الله إله محب، فلا نعود نهرب من عدله وإنما نقترب منه لأجل محبته. ولا تعود تساورنا أخبار مخيفة عن عدل الله وقصاصه، بل نتأمل في محبته ورحمته وفدائه. ويقول الكتاب المقدس بهذا الصدد: "وأما هبة الله فهي حياة أبدية بالمسيح يسوع ربنا" (رومية 6:23). ويقول أيضاً: "إن اعترفنا بخطايانا فهو أمين وعادل حتى يغفر لنا خطايانا ويطهرنا من كل إثم" (1يوحنا 1:9).

+ هل صحيح أن السيد المسيح قضى الفترة من حياته بين سنن 13-20 في الهند، وبعد ذلك عاد إلى فلسطين ليباشر خدمته العامة؟
- كلا، إن السيد المسيح لم يقض الفترة من حياته بين 13-30 في الهند. فليس هناك أي دليل أومرجع يشير مطلقاً إلى أن المسيح ذهب إلى الهند. وإن ما يُروى على ألسنة البعض بهذا الصدد، ليس أكثر من مجرد أقاويل فارغة لا أساس لها من الصحة، خصوصاً وأن المسافة بين الهند وفلسطين، حيث نشأ المسيح، بعيدة جداً ولم يكن هناك من وسائل للنقل سوى العربات التي تجرّها الدواب أو بواسطة ركوب البحار، وكان ذلك يستغرق وقتاً طويلاً كما نعمل، ولم يكن هناك أي سبب ليسافر المسيح إلى الهند وهو صغير.
والكتاب المقدس لا يذكر أن المسيح سافر إلى أبعد من مصر أنثاء طفولته رفقة يوسف الصدّيق ووالدته العذاراء مريم، وذلك هرباً من هيرودس الملك، الذي أمر بقتل الأطفال من ابن سنتين فما دون (متى 2). كما يذكر الكتا بالمقدس أيضاً أنه أثناء خدمته العامة، ذهب المسيح إلى تخوم صور وصيدا في لبنان حيث كرز هناك وعمل المعجزات (متى 15 ومرقس 7). وكانت هذه أبعد سفرة قام بها المسيح أنثاء خدمته خارج فلسطين. وبهذا ندرك أنا لمسيح لم يذهب إلى أبعد من مصر في طفولته ولبنان أثناء خدمته.

أين قضى المسيح هذه الفترة من عمره؟
ليس هناك من شك بأن المسيح قضى هذه الفترة من حياته في مدينة النصارة في فلسطين. فالكتاب المقدس يذكر أنه عند سن الثانية عشرة، ذهب يسوع برفقة مريم ويوسف إلى الهيكل في أورشليم حسب عادتهم كل سنة في عيد الفصح، "وبعدما أكملوا الأيام بقي عند رجوعهما الصبي يسوع في أورشليم ويوسف وأمه لم يعلما.. ولما لم يجداه رجعا إلى أورشليم يطلبانه. وبعد ثلاثة أيام وجداه في الهيكل جالساً وسط المعلمين يسمعهم ويسألهم" (لوقا 2). بعد هذه الحادثة رجع يسوع مع يوسف ومريم إلى الناصرة وكان خاضعاً لهما، وكان ينمو "ويتقدم في الحكمة والقامة والنعمة عند الله والناس" (لوقا 2:52). وإن ما يؤيد ذلك هو أنه عندما بدأ المسيح خدمته العامة، جال يكرز ويعلّم. ويقول إنجيل لوقا إنه "لما جاء إلى وطنه كان يعلمهم في مجمعهم (مجمع اليهود) حتى بهتوا وقالوا من أين لهذا هذه الحكمة والقوات، أليس هذا ابن النجار، أليست أمه تدعى مريم وإخوته يعقوب ويوسى وسمعان ويهوذا، أوليست أخواته جميعهن عندنا، فمن أين لهذا هذه كلها؟ فكانوا يعثرون به، وأما يسوع فقال لهم: ليس نبي بلا كرامة إلا في وطنه وفي بيته" (متى 13:54-57). ومن هنا نرى، أنه عندما بدأ يسوع خدمته عرفه أهل بلدته وقالوا هذه الكلمات. فلو لم يكن المسيح ساكناً في الناصرة، لما عرفه الناس عرفوا من هي أمه ومن هم إخوته وأفراد أسرته.

طالما أن المسيح كان في الناصرة، إذاً لماذا لم يبدأ خدمته العامة إلا بعد سن الثلاثين؟
لابد أن يكون ذلك الوقت هو الوقت المعين من الله للمسيح حتى يبدأ خدمته العامة. لأنه عندما طُلب إليه قبل ذلك أن يصنع العجائب قال إن ساعته لم تكن قد جاءت بعد. وإلى جانب ذلك، كان سن البلوغ أو الكمال بالنسبة للرجل عند اليهود هو سن الثلاثين. فكان لا يقبل أحد لعضوية المجمع، أو لأن يكون معلماً "ربّي" إلا في هذا السن الذي يعتبر سن البلوغ أو الرجولية أو النضوج.

+ هل القديس الياس (المعروف بإيليا النبي) ما زال حياً. فإذا كان حياً، فأين هو موجود الآن، وإذا كان ميتاً فأين مكان دفنه؟
- إنه سؤال هام سنحاول الإجابة عليه بحسب المعلومات المتوفرة لدينا من كلمة الله المدوّنة في الكتاب المقدس. ولكن من المناسب التعريف أولاً بالقديس الياس لتكون الفائدة أعمّ وأشمل. فالقديس الياس المعروف بمار الياس، أو مار الياس الحي، هو أحد أنبياء الله العظام، عاش في العهد القديم في المملكة الشمالية في فلسطين في زمن الملك آخاب بن عمري ملك إسرائيل (1ملوك 16:29). وقد عُرف القديس الياس إيليا النبي. واسم إيليا، اسم عبري معناه "إلهي يهوه" أي "إلهي هو الله"، والصيغة اليونانية لإسم إيليا هي "الياس" وهذا هو الإسم المستعمل باللغة العربية.
الحياة الأولى للنبي إيليا:
في الواقع أننا لا نعرف الكثير عن حياته الأولى أو نسبه، وكل ما نعرفه أنه عاش في مملكة الشمال في أرض جلعاد (1ملوك 17:1) ويرجح أنه وُلد في بلدة "تَشْبَه" لأنه عرف بالتشبي، وإنه كان يلبس المسوح أي ثوباً من الشعر ومنطقة من الجلد (2ملوك 1:8). وكان يقضي الكثير من وقته في البرية (1ملوك 17:5). وكل ما نعرف عنه أنه كان أميناً للرب. فقد كان يحاول ردّ الخطاة إلى الله، حتى أنه وبّخ الملوك والحكام والأنبياء الكذبة. وقد أجرى الله على يديه العديد من الآيات والعجائب. لقد وبّخ إيليا النبي الملك آخاب ملك إسرائيل الذي تزوج إيزابيل ابنة اثبعل ملك الصيدونيين وعبد البعل أي الأوثان وبنى له مذبحاً. فذهب إلى الملك ووبّخه وقال له: "حي هو الرب.. الذي وقفت أمامه، أنه لا يكون طل ولا مطر في هذه السنين إلا عند قولي" (1ملوك 17:1). وعندئذٍ ذهب حسب قول الرب واختبأ عند نهر كريت، الذي هو مقابل الأردن، حيث كانت الغربان، حسب إرادة الله، تأتي إليه بخبز ولحم صباحاً ومساءً، وكان يشرب من ماء النهر. وعندما جفت مياه النهر بسبب عدم نزول المطر، أمره الله أني ذهب إلى بلدة صرفة التي لصيدون ويقيم هناك، حيث رتب له الله أرملة تعوله وتعتني به (1ملوك 17).
بعد ذلك ذهب إيليا إلى صرفة وبقي في بيت امرأة أرملة. وعندما طلب منها شيئاً ليأكل قال له بأنه ليس لديها سوى حفنة من طحين تريد أن تقتات بها مع ابنها قبل أن يموتا. ولكن إيليا وعدها بأن الطحين والزيت الذي لديها سوف لا ينفذا. وقد تمّ وعد النبي، فلم يفرغ بيتها من الدقيق والزيت طيلة مدة الجفاف. وحدث بعد مدة أن مات ابن الأرملة، ولكن إيليا صلى إلى الله فأعاد الله الحياة إلى الصبي. عندئذٍ آمنت المرأة بأن إيليا هو رجل الله، وأنه يعبد الإله الحقيقي.
عجائب أخرى:
عمل النبي إيليا الكثير من العجائب بقوة الله القادر على كل شيء. ولا نستطيع أن نذكرها كلها، ولكن أعتقد أنه من المناسب ذكر العجيبة المعروفة دائماً باسمه، وهي المحرقة وقتل أنبياء البعل أي أنبياء الوثن. وفحوى قصة أنبياء البعل، أن الملك آخاب التقى مرة بإيليا النبي وسأله فيما إذا كان هو مكدّر إسرائيل. وهنا وبّخ إيليا الملك وقال له إنه هو وبيت أبيه عملوا الشر بتركهم وصايا الرب، والسير وراء البعل. وقد أراد إيليا أن يبرهن للملك آخاب وزوجته إيزابيل أنهم لا يعبدون الإله الحقيقي، فطلب أن يجمع شعب بني إسرائيل وكل أنبياء البعل على جبل الكرمل قرب حيفا في فلسطين، وكان عدد أنبياء البعل أربعمائة وخمسين نبياً. وهنا تقدم إيليا وتحدى الجميع، ليبرهنوا أن إلههم أي البعل هو الإله الحقيقي.
فاجتمع الشعب وأنبياء البعل، ثم تقدم إيليا إلى جميع الشعب وقال: "حتى متى تعرجون بين الفرقتين. إن كان الرب هو الله فاتبعوه، وإن كان البعل فاتبعوه، ثم قال إيليا للشعب، أنا بقيت نبياً للرب وحدي، وأنبياء البعل أربع مئة وخمسون رجلاً. فليعطونا ثورين فيختاروا لأنفسهم ثوراً واحداً ويقطعوه ويضعوه على الحطب، ولكن لا يضعوا ناراً، وأنا أقرّب الثور الآخر وأجعله على الحطب ولكن لا أضع ناراً. ثم تدعون باسم آلهتكم وأنا أدعو باسم الرب، والإله الذي يجيب بنار فهو الله. فأخذوا الثور الذي أعطي لهم وقربوه ودعوا باسم البعل من الصباح إلى الظهر، فمل يكن صوت ولا مجيب. عندئذ رمم إيليا مذبح الرب المهدّم وقطع الثور ووضعه على الحطب وقال: املأوا أربع جرّات ماء وصبوا على المحرقة وعلى الحطب. وكان عند إصعاد التقدمة أن إيليا النبي تقدم وقال: أيها الرب إله إبراهي واسحق ويعقوب، ليعلم اليوم أنك أنت الله في إسرائيل، وأني أنا عبدك وبأمرك قد فعلت كل هذه الأمور. استجبني يارب استجبني، ليعلم هذا الشعب أنك أنت الرب الإله. فسقطت نار الرب وأكلت المحرقة والحطب والحجارة والتراب ولحست المياه التي في القناة. فلما رأى جميع الشعب ذلك سقطوا على وجوههم وقالوا: الرب هو الله، الرب هو الله. فقال له إيليا: امسكوا أنبياء البعل ولا يفلت منهم رجل، فأمسكوهم. فنزل بهم إيليا إلى نهر قيشون وذبحهم هماك (مقتطفات من 1ملوك 18). وهكذا برهن إيليا النبي أن الله هو الإله الحقيقي. ولهذا السبب، عندما نرى بعض الصور والرسوم التقليدية للنبي إيليا، أو مار ألياس نلاحظ أنه مصوّر وفي يده سيف، وهذا يرمز إلى قضائه على أنبياء البعل بسيف الله.

+وهل انبي إيليا حي أو ميت؟ فإذا كان حياً، أين هو الآن، وإن كان ميتاً ففي آية بقعة دُفن؟
بالرجوع إلى العهد القديم من الكتاب المقدس نلاحظ أن النبي إيليا قد صعد حياً إلى السماء بمركبة وفرسان نارية، ولهذا يلقّب بمار الياس الحي، وقد حدث ذلك عندما كان برفقة النبي أليشع في وادي الأردن. أما أين هو الآن، فلا شك أنه في السماء في حضرة الله. والجدير بالذكر أن قصة النبي إيليا إلى السماء مدوّنة في الكتاب المقدس في سفر الملوك الثاني 2 ويمكن لمن يرغب في زيادة الإيضاح الرجوع إليها.
ذكر النبي إيليا في العهد الجديد:
لقد ورد ذكر إيليا النبي عدة مرات في العهد الجديد من الكتاب المقدس. فقد قال الملاك الذي بشّرأليصابات زوجة زكريا الكاهن، أي أم يوحنا المعمدان (المعروف عند البعض بالنبي يحيى والذي يلقّبه البعض السابق، لأنه جاء ليمهّد الطريق أمام المسيح). بأنها ستحبل وتلد ابناً، وأن ابنها يوحنا سيعد الطريق أمام المسيح، وأنه سيتقدم المسيح بروح إيليا وقوته (لوقا 1:17). وبهذا المعنى قال يسوع مادحاً يوحنا المعمدان، إن إيليا النبي جاء في شخص المعمدان (متى 11:14 و17:10-12). وعندما كان المسيح يعلّم، ظن الناس خطأ أن يسوع نفسه هو إيليا (متى 16:14). وأثناء حادثة تجلّي المسيح على جبل التجلّي، ظهر إيليا وموسى مع المسيح (لوقا 9:28-36). وهناك أيضاً مراجع عدة في العهد الجديد تشير إلى إيليا النبي وغيرته.

+ذكرت أنه يوجد شبه بين إيليا النبي ويوحنا المعمدان، فما وجه الشبه هذا؟
إن أوجه الشبه عديدة بين يوحنا المعمدان وإيليا النبي. فإيليا النبي كانت لديه الغيرة المتقدة لكي يرد الناس عن عبادة الأوثان ويرشدهم إلى الإله الحقيقي. وكذلك يوحنا الذي جاء ليمهد الطريق أمام المسيح، داعياً الناس للتوبة والاستعداد لاستقبال الإله الحقيقي المسيح المخلص الذي حو حمل الله الرافع خطايا العالم.

+ ما هو موقف الدين المسيحي من الربا والرشوة؟
- للإجابة على هذا السؤال يستحسن أولاً أن نعرف ماذا يُقصد بكلمة ربا، ثم نلقي الضوء على ما يقوله الكتاب المقدس عن هذا الموضوع‎. فالربا بحسب تعريف قاموس اللغة هو الفائدة أو الربح الذي يتناوله المرابي من مَدنيه". وبكلمات أوضح هو الفائدة المرتفعة جداً التي يدفعها المدين للدائن عن المال المقترض. أما بخصوص موقف الدين المسيحي من الربا، فهو ولا شك مستمد من الكتاب المقدس ومن القوانين التي وضعتها الكنيسة على مر العصور، والمستوحاة من الكتاب المقدس أيضاً.
فموضوع الربا موضوع شائك كثرت فيه الآراء والاجتهادات. ولكن بالرجوع إلى العهد القديم من الكتاب المقدس، نلاحظ أنه يحرّم الربا. وسنورد الآيات الواردة بهذا الصدد. إلا أنه تجدر الإشارة بأن الشريعة الموسوية الواردة في كتاب التوراة، كانت تنهي الناس في العهد القديم عن أخذ الربا من إخوتهم وتسمح بأخذه من الغرباء. وقد ورد في سفر التثنية ما يلي: "لا تقرض أخاك بربا، ربا فضة، أو ربا طعام، أو ربا شيء ما مما يقرض بربا. للأجنبي تقرض بربا ولكن لأخيك لا تقرض بربا، لكي يباركك الرب إلهك" (تثنية 23:19-20). وبعد ذلك كان بعض الصيارفة والمرابين يقترضون الأموال بربا زهيد ويقرضونها بربا فاحش، فيربحون الفرق، لذلك ندد الكتاب المقدس بالربا وحرّمه. فيقول سفر المزامير، أي كتاب الزبور: "السالك بالكمال، والعالم بالحق والمتكلم بالصدق في قلبه.. فضته لا يعطيها بالربا ولا يأخذ الرشوة على البري" (مزمور 15:2 و5). وورد في سفر حزقيال النبي ما يلي: "الإنسان الذي كان باراً وفعل حقاً وعدلاً.. لم يعطي بالربا ولم يأخذ مرابحة، وكف عن الجور وأجرى العدل.. حياة يحيا يقول السيد الرب" (حزقيال 18:5 و8 و9). كما أن نحميا النبي وبّخ الناس في العهد القديم للتغاضي عن وصايا الله ومن ضمنها والوصايا الخاصة بالربا (نحميا 5:1-13).
إن الدين المسيحي ينهي عن الربا، لا سيما وأن الإيمان المسيحي مستمد من الكتاب المقدس بعهديه القديم والجديد. وتشير بعض المراجع التاريخية إلى أن الكنيسة المسيحية كانت وما زالت تحرّم الربا في نطاق أخذ الفائدة من الفقراء عند اقراضهم لسد احتياجاتهم. وقد حث السيد المسيح الناس دائماً على محبة بعضهم بعضاً ومساعدة بعضهم بعضاً. ومن جملة حثّه للناس على العطاء "من سألك فاعطه ومن أراد أن يقترض منك فلا ترده" (متى 5:2). وطبعاً المقصود هنا الإقراض لسد الحاجة بدون فائدة، ومن هنا نلاحظ أن الدين المسيحي ينهي عن الربا في نطاق العوز والفقر والاقتراض لسد الحاجة. وأعتقد أن معظم الديانات تنهي ذلك أيضاً، ولكن النظرة بالنسبة للربا قد تختلف في القرن العشرين عما كانت عليه في العصور القديمة.
لقد كان الربا محرّماً في العصور القديمة عندما كان طلاب القروض عادة م الفقراء والمحتاجين، والدائنون من الأغنياء والموسرين، وكان الباعث على الاستدانة هو سد الحاجة وتفريج ضيق المحتاج بإعطائه مالاً عن طريق القرض الخالي من الفاائدة بقصد مساعدته. أما اليوم فقد تغيّرت الأحوال ولم يبقَ عامة طلاب القروض من المحتاجين الذين يستدينون من الأغنياء لسد احتياجاتهم. إذ انعكس الوضع وأصبح الأغنياء ومؤسسو الشركات والبنوك وكبار التجار وشركات التأمين وحتى الدول الكبيرة والصغيرة تتعامل بالقروض مع الفوائد، وذلك سعياً وارء الإنتاج وتنمية الثروة. وقد وُضعت بهذا الصدد أنظمة وقوانين مختلفة للتعامل بالمال وإقراضه، ولاستيفاء فوائد معينة على القروض وأصبح معظم الناس يتعاملون مع البنوك ويودعون نقودهم في المصارف لقاء فوائد معينة. ولا نعتقد أن هذا النوع من الربا أو الفائدة محرّم في الدين المسيحي أو حتى في الأديان. ولا بد من الإشارة إلى أن هناك آراء مختلفة لمجتهدين كثيرين حول هذا الموضوع. وللإيجاز نكرر بأن التعامل بالفائدة أو الفائدة الفاحشة بين الإخوة والأصدقاء الذين يضطرون إلى الاقتراض من بعضهم البعض لسد العوز، هو أمر غير مرغوب فيه، وهذا ما تحرّمه الأديان بحسب الاعتقاد السائد، إذ يجب أن يتعامل الناس مع بعضهم البعض بحسب مبدأ المحبة ومساعدة المحتاج، وهذا ما يعلمنا إياه السيد المسيح.
موقف الدين المسيحي من الرشوة:
الرشوة بحسب قاموس اللغة العربية: ما يُعطى لإبطال الحق وإحقاق الباطل". وتعريف آخر يقول: الرشوة هي العمل الذي يعطي أو يؤخذ فيه نقود". وبحسب تعريف قاموس الكتاب المقدس هي: إعطاء شخص أو الأخذ من شخص نقوداً أو أشياء أوعمله في أمر لا علاقة بنا وفيه مصلحة لنا (1صموئيل 8:3 وأمثال 17:23).
والكتاب المقدس يحرّم الرشوة تحريماً قاطعاً، ويحثّ الناس أن يتعاملوا على أساس المحبة والصدق والإخلاص والأمانة وإحقاق الحق والابتعاد عن الباطل.
والتعامل بالرشوة أمر محرّم في شريعة العهد القديم في الكتاب المقدس، أي في فترة ما قبل المسيح. فقد ورد في سفر الخروج ما يلي: "لا تحرّف حق فقيرك في دعواه. ابتعد عن كلام الكذب ولا تقتل البريء والبار، لأني لا أبرر المذنب. ولا تأخذ رشوة، لأن الرشوة تعمي المبصرين وتعوج كلام الأبرار" (خرود 23:6-8). وفي سفر التثنية ورد عن الرشوة ما يلي: "لا تحرف القضاء، ولا تنظر إلى الوجوه، ولا تأخذ رشوة، لأن الرشوة تعمي أعين الحكماء وتعوج كلام الصديقين" (تثنية 16:19). ويقول سفر المزامير ما يلي: "السالك بالكمال والعالم بالحق.. فضّته لا يعطيها بالربا ولا يأخذ الرشوة على البريء" (مزمور 15:2 و5). وورد في سفر إشعياء ما لي: "ويل للقائلين للشر خيراً وللخير شراً، الجاعلين الظلام نوراً والنور ظلاماً.. الذين يبررون الشرير من أجل الرشوة، وأما حق الصديقين فينزعونه منهم" (إشعياء 5:20 و23). والجدير بالذكر أن الكتاب المقدس مليء بكلام الله ضد الرشوة، وقد ورد هذا التحريم على لسان معظم الأنبياء، ومنهم إشعياء، حزقيال، ميخا، أيوب، صموئيل وأسفار الخروج والتثنية والأمثال وغيرها.
ولم تكن الرشوة تُدفع قديماً لمجرد المواربة في الأحكام، بل كانت تُدفع أيضاً لأذية الآخرين وقتل الغرباء الأبرياء، وتعريج القضاء، لذلك حذّرالله من ذلك بقوله: "ملعون من يأخذ رشوة لكي يقتل نفس دم بريء" (تثنية 27:25). وقد حذّر الله القضاة والولاة والحكام وذوي الجاه والسلطان من أخذ الرشوة وحثّهم على اتباع الفضيلة والاستقامة وإحقاق الحق (ميخا 3:11 و7:3).
الخلاصة:
ذُكر سابقاً أن موقف الدين المسيحي مستمد من أحكام الكتاب المقدس. وقد لاحظنا بوضوح أن الكتاب المقدس يحرّم الرشوة بكافة أشكالها. وأن السيد المسيح في العهد الجديد كان يذكر الناس بأحكام الله الواردة في كتابه المقدس ومن ضمنها موضوع الرشوة. كما أنه كان دائماً يحث الناس على المحبة والإخاء والاستقامة. الصدق في المعاملة، والعدل في الأحكام، والأمانة في الكيل والميزان، والرحمة بالبائسين، وإعطاء كل ذي حق حقه، والسير حسب وصايا الله في كل مناحي الحياة.

+ ما هي حقيقة عيد الشعانين أو أحد السعف، ولماذا يحتفل المسيحيون بهذه الذكرى؟
- يحتلف المسيحيون في أحد الشعانين، بذكرى دخول المسيح إلى أورشليم. وقد عاد الناس في بعض البلدان أن يحتفلوا بهذه الذكرى بطرق تقليدية مختلفة. يذهب البعض إلى الكنائس برفقة أولادهم. ويحملون الشموع المزيّنة بالزنابق والورود، كما يحمل البعض الآخر سعف النحل وأغصان الزيتون، ويسيرون مع جموع المؤمنين هاتفين: "أوصنا لابن داود، مبارك الآتي باسم الرب أوصنا في الأعالي" (متى 21:9).
إن هذا العيد هو عيد دخول المسيح الإله الذي ظهر بالجسد إلى أورشليم. فقد جاء المسيح من الله معلماً وكارزاً. كان كاهناً ونبياً وملكاً. دعا الناس إلى التوبة والخلاص. علّمهم المحبة، محبة الله ومحبة القريب. أحبهم، عطف عليهم، ساعدهم فرح مع الفرحين، وتألم مع المتألمين. علم العجائب، فأشبع الجياع وسقى العطاش، شفى المرضى وأقام الموتى. ولكن جوهر رسالته كان الخلاص والفداء، فآمن الكثيرون به وبرسالته ولكن البعض الآخر لم يؤمن. وأراد الكثيرون أني ينصبوه ملكاً عليهم، لكي يمنحهم القوة والغلبة على أعدائهم. ولكن المسيح أفهمهم أن مملكته ليس مملكة أرضية بل سماوية.

+لماذا دخل المسيح أورشليم راكباً على حمار، وما هي الفكرة الأساسية لدخوله إلى أورشليم؟ عندما لاحظ المسيح أن بعض الناس آمنوا به وبرسالته، وأن
الكثيرين لم يؤمنوا، أراد أن يوقظ عقولهم، ويقودهم إلى الله بأسلوب جديد، فاستعمل الأسلوب الدرامي أو التمثيلي في شرح رسالته جرياً على عادة الأنبياء في العهد القديم. فعندما كان الأنبياء قديماً يشعرون بأن الكلمات أصبحت لا تجدي إزاء جمود الناس وعدم مبالاتهم بكلام الله، كانوا يلجأون إلى طرق يستطيعون بواسطتها إيصال كلمة الله وتعاليمه إلى الناس بأساليب جديدة مختلفة، وهذا ما كان يسوع بصدده، أن يجلب الناس إلى الإيمان والخلاص.
فعند اقتراب عيد الفصح وهو أهم الأعياد الدينية بالنسبة لليهود - كانت المدينة المقدسة وجميع القرى المجاورة تعج بالزوار، الذين جاءوا إلى أروشليم لإتمام واجباتهم الدينية. ويقدر أحد المراجع اللاهوتية عدد الذين جاءوا آنذاك إلى المدينة المقدسة لأجل عيد الفصح بأنهم كانوا حوالي مليونين ونصف المليون نسمة، مع العلم أن البعض يعتقد أن هذا الرقم مبالغ فيه. ولم يكن هناك وقت أنسب من ذلك لكي يصل يسوع إلى الناس وبالأحرى إلى أكبر عدد منهم. فالمدينة كانت مزدحمة، وقلوب الناس في تلك الفترة كانت تتأجج بالعاطفة الدينية. والمعروف أن دخول المسيح إلى أورشليم لم يكن عملاً عفوياً أو وليد ساعته، إذ لا بد أن يكون السيد قد رتبه بإتقان. وعندما كان يسوع برفقة تلاميذه والجموع حوله يسيرون باتجاه المدينة المقدسة، عند بيت فاجي وهي قرية قريبة من أورشليم، أرسل يسوع اثنين من تلاميذه حتى يحضرا جحشاً وأتاناً ليركب عليهما ويدخل المدينة كملك وديع متواضع. وتقول القصة كما وردت في إنجيل متى: "ولما قربوا من أورشليم وجاءوا إلى بيت فاجي عند جبل الزيتون، حينئذ أرسل يسوع تلميذين، قائلاً لهما: اذهبا إلى القرية التي أمامكما، فللوقت تجدان أتاناً مربوطة وجحشاً معهما فحلاهما واتياني بهما، وإن قال لكما أحد شيئاً فقولا الرب محتاج إليهما، فللوقت يرسلهما. فكان هذا كله لكي يتم ما قيل بالنبي القائل: قولوا لابنة صهيون هوذا ملكك يأتيك وديعاً راكباً على أتان وجحش ابن أتان. فذهب التلميذان وفعلا كما أمرهما يسوع وأتيا بالأتان والجحش ووضعا عليهما ثيابهما في الطريق. وآخرون قطعوا كما أمرهم يسوع وأتيا بالأتان والجحش ووضعا عليهما ثيابهما في الطريق. وآخرون قطعوا أغصاناً من الشجر وفرشوها في الطريق، والجموع الذين تقدموا والذين تبعوا كانوا يصرخون قائلين: "أوصنا لابن داود، مبارك الآتي باسم الرب، أوصنا في الأعالي، ولما دخل أورشليم، ارتجت المدينة كلها قائلة من هذا؟ فقالت الجموع هذا يسوع النبي الذي من ناصرة الجليل" (متى 21:1-11).
وهكذا نرى أنه عندما دخل المسيح إلى أورشليم، دخل كملك وديع، فالتفت حوله الجموع يفرشون ثيابهم في الطريق ويقطعون أغصان الشجر ويفرشونها في الطريق أيضاً، كما أنهم كانوا يصرخون: "أوصنا لابن داود، مبارك الآتي باسم الرب، أوصنا في الأعالي". ومن هنا جاءت فكرة عيد الشعانين، وأصبح المؤمنون يحتفلون قبل الفصح بأسبوع، بعيد دخول المسيح إلى أورشليم.

+لماذا سار الناس وراء يسوع عند دخوله أورشليم؟
إن دخول المسيح أورشليم كانت تتمة لإحدى نبوات العهد القديم الواردة في سفر زكريا القائلة: "ابتهجي جداً يا صهيون، اهتفي يا بنت أورشليم. هوذا ملكك يأتي إليك، هو عادل ومنصور، وديع وراكب على حمار وعلى جحش ابن أتان" (زكريا 9:9).
وهكذا تمت نبوة زكريا هذه بدخول المسيح إلى أورشليم. لقد تبعته الجموع لأغراض كثيرة، بعضهم استمع إلى تعاليمه وآمن به، والبعض الآخر تبعه لغاية الشفاء وسد الاحتياج، لا سيما بعد أن سمعوا عن قدرته على صنع العجائب. فكان في نظرهم الشخص المناسب لسد احتياجاتهم المادية. والبعض الآخر اعتقد بأن المسيح سيأتي ملكاً أرضياً يخلّص الناس من حكم الرومان، ويجعل النصرة للأمة اليهودية، ولكن خاب ظن هؤلاء عندما قال لهم يسوع إن مملكته ليست من هذا العالم.

+ما معنى: "أوصنا في الأعالي، مبارك الآتي باسم الرب؟
المعروف بأن المسيح هو من نسل داود، لذلك يُشار إليه ابن داود. وأما معنى كلمة أوصنا في الأعالي فهو: "لتصرخ الملائكة في العلاء منادية لله، خلّصنا الآن". وهي دعوة شعب متضايق يطلب من ملكه أو إلهه أن يهرع إلى خلاصه. ومعنى كلمة أوصنا بحد ذاتها هو خلصنا الآن، وهي مقتبسة من المزمور 118 :"آه يارب خلص، آه يا رب انقذ" (مزمور 118:25). أما معنى بقية التحية، "مبارك الآتي باسم الرب" فهي أيضاً اقتباس من المزمور 118 "مبارك الرب الذي يأتي إلى أورشليم" (مزمور 118:26).

+هل هناك رمز معين لفرش الثياب وأغصان الأشجار في الطريق أمام المسيح؟
في الواقع إن عادة فرش الثياب وأغصان الشجر في الطريق أمام زائر كانت متبعة في العهد القديم. وهي تقليد يشير إلى المحبة والطاعة والولاء. ويذكر الكتاب المقدس في سفر الملوك الثاني أن الجموع فرشوا ثيابهم وأغصان الشجر وسعف النخل أمام "ياهو" أحد رجال العهد القديم عندما نصّب نفسه ملكاً (2ملوك 9:13). وأيضاً عندما دخل سمعان المكابي وهو قائد ثورة المكابيين إلى أورشليم بعد انتصاراته على الحاكم (انتيخوس أبيفانوس) الذي نجّس الهيكل وذبح الخنازير على المذبح وجعل أروقته مواخير للدعارة، وكان ذلك سنة 175 قبل الميلاد.
وهكذا عندما دخل المسيح أورشليم أنشد الناس المزامير وفرشوا الثياب وأغصان الشجر وحملوا سعف النخل، لأن المسيح هو الملك السماوي الذي جاء لكي يطهر الهيكل من نجاساته. وأن عمل المسيح هذا هو أيضاً تتمة لنبوة ملاخي الواردة في العهد القديم القائلة: "ويأتي بغتة إلى هيكله السيد الذي تطلبونه، وملاك العهد الذين تسرون به" (ملاخي 3:1). وهكذا فإن عيد الشعانين هو رمز لدخول المسيح الانتصاري إلى أورشليم. فهو إله ورب هادٍ وفادٍ، معلم ومخلص، كاهن وملك، يملك على قلوب المؤمنين به. فما أجمل أن نتبعه ونسير في خطاه نهتف مع جموع المؤمنين: أوصنا في الأعالي مبارك الآتي باسم الرب



تعليقات
4 تعليق

 شارك بتعليق 
  1. وَمَا قَتَلُوهُ وَمَا صَلَبُوهُ وَلَـكِن شُبِّهَ لَهُمْ وَإِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُواْ فِيهِ لَفِي شَكٍّ مِّنْهُ مَا لَهُم بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ اتِّبَاعَ الظَّنِّ وَمَا قَتَلُوهُ يَقِينًا {157} بَل رَّفَعَهُ اللّهُ إِلَيْهِ وَكَانَ اللّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا {158}النساء

    youssef

  2. لماذا لم يذكر اشعيا من بشارتة صلب السيد المسيح ولهاذا تسقط تفسيركم فى البشارة ولا فى احداث ة

    amer

  3. JESUS's PEACE BE UPON YOU thanks GOD for this beautiful site that describe in details the versus of our holy book the bible i am a sinner and with GOD JESUS BLESSING i am trying my best to repent my sins whom i am not afraid to say it in front of you and in front of my beloved JESUS THE CHRIST THE GOD wishing that i will be forgiven freely from thy him i will be more than thankful to you if you will answer me through my E MAIL address to any question concerning describing the versus of the bible my first question is ,,,,,,,,our beloved Jesus the Christ said ((( leave everything and follow me)))). i love Jesus but to follow him in this way what shall i do does that mean that i leave my wife and my two children and do the things that he ordered me to do like go and be a monk or what please this matter of obeying JESUS is really really concerning me as i want to win him the love please advise me my regards Zahir S.Aziz sterling heights Michigan-USA March 17th,2010

    Zahir Aziz

  4. انا بشكر الرب علي الموقع

    Anonymous

أضف تعليق
.الرجاء كتابة تعليقك هنا ببشكل واضح وسليم، تعليقك سوف ينشر مباشرة
أي تعلقات يوجد بها سب وقذف سوف تحذف فوراً